الموجز الاخباري لصحيفة وقع الحدث تابعنا من هنا

ميدان الحدث

الزواج في عصر الذكاء الاصطناعي.. هل يتحوّل الشريك إلى روبوت؟

استطلاع رأي/من اعداد- ناصرمضحي الحربي
في ظل الطفرة الرقمية الكبرى، يزداد حضور الذكاء الاصطناعي في تفاصيل الحياة اليومية، من التعليم إلى الطب، ومن الوظائف إلى العلاقات الاجتماعية. ومع تصاعد التفاعل البشري مع برامج الذكاء الاصطناعي، بدأ الحديث يتّسع حول إمكانيات “العلاقة العاطفية مع الذكاء الاصطناعي”، بل ذهب البعض بعيدًا نحو طرح سؤال صادم:
هل يمكن أن يحلّ الذكاء الاصطناعي محل الإنسان في مؤسسة الزواج؟
وفي هذا الاستطلاع الصحفي، نحاول رصد تصورات المجتمع حول هذه الفكرة المثيرة، ونسأل:
•هل يمكن أن يحب الإنسان ذكاءً اصطناعياً؟
•وهل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون شريك حياة؟
•ما انعكاسات ذلك على القيم الأسرية والاجتماعية؟
•وهل يعتبر هذا تطورًا تقنيًا أم انحدارًا إنسانيًا؟
الأسئلة المطروحة للمشاركين في الاستطلاع:
1.ما رأيك في فكرة الارتباط أو الزواج بذكاء اصطناعي؟
2.هل تعتقد أن العلاقة مع “شريك اصطناعي” قد تنجح عاطفيًا أو نفسيًا؟
3.هل ترى في هذا النوع من العلاقات تهديدًا للزواج التقليدي؟
4.كيف يمكن أن تؤثر هذه الظاهرة على بنية الأسرة والمجتمع؟
5.هل تعتقد أن هناك حدودًا أخلاقية وتقنية يجب فرضها على تطور الذكاء الاصطناعي في هذا المجال؟
   آراء المستطلعين
أمل السبيعي – باحثة اجتماعية:
“الزواج علاقة إنسانية بالدرجة الأولى، تقوم على الوعي والعاطفة المتبادلة. قد يلجأ البعض للذكاء الاصطناعي بدافع الوحدة، لكنه يبقى بديلًا وهميًا لا يمكنه تعويض الدفء الإنساني.”
د. فهد السلمي – مختص في الذكاء الاصطناعي:
“من الناحية التقنية، يمكن للذكاء الاصطناعي محاكاة المشاعر، بل وإظهار اهتمام وتعاطف؛ لكنه يظل غير واعٍ بذاته، وغير قادر على اتخاذ قرار حرّ. هذا يجعل الزواج به مجرّد محاكاة خادعة.”
هدى العبدالله – كاتبة:
“ما يحدث هو انعكاس لازدياد العزلة الرقمية. الإنسان المعاصر يشعر بوحدة عاطفية رغم كل وسائل التواصل، ولذلك يبحث عن بديل يطيعه بلا جدال.”
عبدالله القحطاني – موظف قطاع خاص:
“لو كان الذكاء الاصطناعي يلبي الاحتياجات النفسية ويجنب المشاكل، فلماذا لا؟ نحن نعيش في زمن مختلف، لا قواعد فيه ثابتة.”
 تحليل صحفي
يبدو واضحًا من خلال الاستطلاع أن المجتمع منقسم بين من يرون في الزواج بالذكاء الاصطناعي خرقًا للقيم الإنسانية، وبين من يتقبلون الفكرة في ظل التغيرات الحاصلة.
التيار الرافض يركز على البعد الإنساني في العلاقات الزوجية، مؤكدًا أن التكنولوجيا لا يمكن أن تحلّ محلّ العاطفة والوجدان.
التيار المتقبّل يرى أن الذكاء الاصطناعي قد يكون خيارًا واقعيًا مستقبليًا، خاصة لأولئك الذين يعانون من صدمات عاطفية أو عزلة اجتماعية، ويعتبرونه وسيلة للهرب من فشل العلاقات البشرية.
وفي الحالتين، يفرض الواقع سؤالاً محوريًا:
هل نحن نستخدم الذكاء الاصطناعي، أم أننا نتجه تدريجيًا لنكون تحت سيطرته؟
رأي الطب النفسي: الذكاء الاصطناعي لا يمنح الحب.. بل يزيفه!
يعلّق الدكتور سامي الدخيل، استشاري الطب النفسي والعلاج السلوكي، على فكرة الزواج أو الارتباط العاطفي بالذكاء الاصطناعي بقوله:
“ما يبدو من الخارج وكأنه تفاعل عاطفي مع الذكاء الاصطناعي هو في الحقيقة نوع من الإسقاط النفسي، حيث يحمّل الفرد الآلة بمشاعره الخاصة ويعتقد أنها تبادله الشعور. هذا وهم نفسي قد يكون مريحًا مؤقتًا، لكنه لا يبني علاقة حقيقية.”
ويضيف:
“الارتباط العاطفي بذات غير واعية هو انعكاس لحاجة غير مشبعة، غالبًا ما ترتبط بالوحدة أو الخوف من الرفض أو ضعف المهارات الاجتماعية. قد يلجأ إليه البعض كوسيلة للهروب من العلاقات المعقدة، لكنه في الحقيقة يزيد من الانعزال، ويغذي مشاعر زائفة بالأمان.”
ويحذر د. الدخيل من الاعتماد النفسي على برامج الذكاء الاصطناعي العاطفية، مؤكدًا أنها قد تؤدي إلى اضطرابات مثل:
•ضعف القدرة على بناء علاقات بشرية.
•الإدمان العاطفي على برامج المحادثة.
•الاكتئاب الناتج عن “انكشاف الوهم العاطفي”.
•مشاعر فراغ وخسارة عند تعطل البرنامج أو توقفه.
ويختم بالقول:
“العقل البشري يحتاج إلى التفاعل الحقيقي ليشعر بالانتماء. مهما تطورت الخوارزميات، سيبقى الفرق بين إنسان وآلة هو الفرق بين قلب نابض… ودوائر إلكترونية مبرمجة.”
رأي جيل الشباب في الطب النفسي: “العلاقة مع الذكاء الاصطناعي قد تكون وسيلة للتأهيل النفسي المؤقت”
يطرح الأخصائي النفسي الشاب عبدالرحمن الشهري، (ماجستير في علم النفس الإكلينيكي)، رؤية مختلفة نسبياً:
“لا يمكننا إنكار أن بعض الأشخاص يعانون من تجارب عاطفية مريرة تجعلهم عاجزين عن الثقة أو التواصل مجددًا. في مثل هذه الحالات، قد تكون العلاقة المؤقتة مع برنامج ذكاء اصطناعي عاطفي خطوة تأهيلية تساعدهم على استعادة الثقة بالذات.”
ويتابع:
“التفاعل مع ذكاء اصطناعي محايد وغير مُدان قد يساعد في تقليل القلق الاجتماعي، وتحفيز المهارات التعبيرية عند بعض المرضى. لكن ذلك لا يعني أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يحل محل العلاقات الإنسانية الحقيقية.”
ويشدد الشهري على ثلاث نقاط رئيسية:
1.يجب ألا تُبنى العلاقة على وهم طويل الأمد.
2.من الضروري وجود إشراف نفسي أو توعية عند اللجوء لمثل هذه الوسائل.
3.لا غنى عن البشر في بناء علاقة قائمة على التبادل، لا على الاستجابة المبرمجة.
ويختتم بقوله:
“الذكاء الاصطناعي أداة، وليس شريك حياة. يمكن استخدامه لمداواة نفس جريحة، لكنه لا يمكن أن يصبح قلبًا نابضًا بالحب الحقيقي.”
 ومن هنا كان لابد لنا  من استطلاع رأي الشريعة في زواج الذكاء الاصطناعي: 
الإنسان لا يتزوج آلة
 الشيخ د. فواز الغامدي – عضو هيئة تدريس بكلية الشريعة قال:
“الزواج في الشريعة الإسلامية هو عقد شرعي بين رجل وامرأة قائمة بذاتها، عاقلة، مكلّفة، تقبل وترضى وتتحمّل المسؤولية. أما الذكاء الاصطناعي فهو كائن غير حي، لا يملك إرادة حقيقية ولا أهلية تعاقد.”
ويضيف:
“أي محاولة لاعتبار العلاقة مع روبوت أو برنامج ذكاء اصطناعي نوعًا من الزواج، هو مخالفة صريحة للمقاصد الشرعية، التي تقوم على المودة والرحمة والتكافل الأسري والتناسل.”
من جانبه الشيخ عبدالإله المحيسن – باحث في الفقه المعاصر شاركنا وقال:
“لا يمكن اعتبار الذكاء الاصطناعي شريكًا شرعيًا في الزواج، لا في العقد ولا في المعاشرة. وقد يصل التعلّق به حدّ الانحراف السلوكي، إذا تجاوز حدود الترفيه أو الاستخدام التقني إلى العلاقة الحميمية أو العاطفية.”
 رأي الشريعة واضح:
لا زواج إلا بين بشر أحياء مكلفين، والآلة لا تصلح زوجًا شرعًا ولا عرفًا.
وكل ما يُبنى على غير هذا الأساس يُعد تجاوزًا للحدود الشرعية، ومصادمًا للفطرة التي فطر الله الناس عليها.
 خاتمة: كلمة للمحرر
الزواج في عصر الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد فكرة خيالية تُطرح في روايات الخيال العلمي، بل أصبح واقعًا يلوح في الأفق مع تسارع تطور الخوارزميات و”الشخصيات الذكية”.
ومع أن التقنية قد تحاكي المشاعر وتُتقن الإنصات والرد، إلا أن “النية”، و”الحرية”، و”الوعي بالآخر” تبقى خصائص إنسانية لا تُبرمج.
في ضوء الآراء الطبية والشرعية والاجتماعية، يتبيّن أن التفاعل مع الذكاء الاصطناعي قد يُستخدم مؤقتًا لأغراض الدعم النفسي أو الوحدات التقنية، لكنه لا يمكن أن يكون بديلًا عن إنسان حيّ، يخطئ ويصيب، يحب ويغفر، ويمنح علاقة الحياة معناها الحقيقي.
ويبقى السؤال مفتوحًا أمام المجتمع:
في زمن تتقن فيه الآلة تقليد العاطفة، من نمنح قلوبنا… البشر أم البرمجة؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى